اريد تعييناً
أريد تعييناً
ذات يوم وبينما كنت في طريقي إلى العمل وكان قد اقلني
احد الأصدقاء حيث ابتدأ الحديث معي قائلاً وقد ظهرت على وجهه علامات الغضب والحسرة
في آن واحد (إني ارغب في الحصول على تعيين , لقد تعبت من عملي هذا , وأتمنى أن
تساعدني ) وكان عمله يتلخص في نقل الحمولات الخفيفة في سيارته الخاصة (كيا حمل ) داخل
المدينة ومنها واليها محققاً ربحاً جيداً يمكنه في الاستمرار في عيش متوسط .
إن ما يثير الغرابة في هذه القصة هو هذه الثقافة التي
انتشرت وتشربت في كل أركان المجتمع العراقي الذي أصبح ينظر إلى مبدأ الحصول على
وظيفة في الدولة هو المقياس الوحيد لديمومة الحياة , فحتى هذا الشاب الذي لا يملك
شهادة الابتدائية ولا يعرف القراءة والكتابة تراه يلهث وراء التعيين متذمراً من
طبيعة حياته المتعبة نوعاً ما , فالكل أصبح يريد كرسياً ومكتباً وجهاز تبريد ينفث
الهواء البارد على وجهه ومن دون أن يلتفت إلى واقعه وحقيقته وإمكانياته العلمية
والعملية .
لقد أصبح هناك مرض اسمه هوس التعيين فكثيراً ما أرى
شباباً يترك مقاعد الدراسة طمعاً في وظيفة متحققة في سلك الداخلية أو الدفاع , فهل
هناك خوف قاتل من المستقبل ينخر نفوس العراقيين بحيث أصبحوا يجدون في التعيين
والتقاعد فيما بعد ضماناً لمثل هذا المستقبل ؟
فأين هو إيماننا بالله الضامن الوحيد في هذا الوجود
لديمومة الأرزاق !!!
وهل من المعقول أن نطلب من الدولة توفير فرص تعيين لكل
القوى العاملة في هذا البلد والذي إذا ما تحقق فهذا يعني أننا سنتحول إلى نظام
شمولي بحيث تصبح كل محال التسويق والبقالة والمقاهي والمطاعم والفنادق وصالونات
الحلاقة وورش تصليح السيارات ومحلات الصيرفة وورش الحدادة والنجارة وكل الخدمات الأخرى
إلى مؤسسات تابعة للدولة وتحويل كل أفراد الشعب إلى موظفين , وكأننا في بلد شيوعي
والذي لن يدوم فيه هذا الحال حتى نرى انهياره كما هو مصير أي بلد شمولي وقد أثبتت
التجارب الإنسانية السابقة فشل هذه الأنظمة .
إذن نحن اليوم صرنا بأمس الحاجة إلى جهد إعلامي وسياسي
وأكاديمي لتغيير هذه الثقافة وتشجيع القوى العاملة في البلاد على التوجه لبناء
وتطوير العمل الخاص خاصة للطلبة الخريجين الجدد من خلال توفير مناخ الاستثمار
الناجح ودعم هذا الجهد بجهد حكومي موازي يتمثل بتوفير القروض الميسرة طويلة الأجل
مع تقديم المشورة الفنية والمتابعة ووفق خطة وطنية شاملة ومدروسة ترتكز على مجموعة
من العوامل التي تتمثل بنوعية الموارد البشرية والطاقات الاقتصادية المتوفرة في
البلاد وإمكانية استثمار مثل هذه الطاقات (السياحية , الزراعية والصناعات
الاستهلاكية ) مع توفير البيئة الاستثمارية الملائمة وذلك لبناء وتطوير قطاعات
اقتصادية رئيسية تمثل شريانا ً حيوياً في الاقتصاد الوطني لتنويع مصادر الدخل في
البلاد وكذلك استيعاب كل هذه الثروة الوطنية الهائلة في الموارد البشرية والتي
تفتقر إليها الكثير من الدول .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق