الثلاثاء، 2 أبريل 2013

مهارة اتخاذ القرار




مهارة اتخاذ القرار




لو تأملنا في حياتنا الماضية بشيء من التفصيل الدقيق لكل مجرياتها لوجدناها عبارة عن سلسلة من القرارات المتلاحقة التي كانت مسؤولة عن رسم الصورة التي نحن عليها الآن , علماً أن هذه الصورة من المؤكد أنها ستكون مختلفة عما هي عليه الآن فيما لو كانت تلك القرارات مدروسة بشكل علمي دقيق , وكان بحثنا عن البدائل مبني على المنطق والعقل الذي سيحتم علينا اختيار البديل الأفضل في كل الأحوال . وعليه ومن هذا المنطلق فلابد لكل فرد في هذه الحياة ومن أجل تحقيق أهدافه التي يسعى إليها , لابد له أن يعرف الوسائل والأسس والطريقة التي يتم من خلالها صناعة القرارات , وكيفية اتخاذ القرار الأفضل الذي يحقق الرؤية المرسومة في ذهن كل إنسان وفقاً للمبادئ والقيم التي يؤمن بها , حيث أن صناعة القرار ومن ثم اختيار أفضل البدائل يمر بعدة مراحل . ولكن قبل ذلك علينا أن نتعرف على مفهوم القرار .
مفهوم اتخاذ القرار
القرار في اللغة
مشتق من القر وأصل معناه على ما نريد هو "التمكن " فيقال قرّ في المكان، أي قر به وتمكن فيه
القرار في الاصطلاح
هو عبارة عن اختيار من بين بدائل معينة وقد يكون الاختيار دائما بين الخطأ والصواب أو بين الأبيض والأسود، وفي أحيان أخرى قد يلزم الترجيح وتغليب الأصوب والأفضل أو الأقل ضرراً
مراحل اتخاذ القرار
1-    تحديد المشكلة أو المستجدات التي يجب اتخاذ قرار بشأنها
2-    استخلاص الحقائق المتعلقة بهذه المشكلة أو المستجد وتدوينها
3-    تحليل هذه الحقائق ومن منظور عقلائي
4-    تعيين الحلول أو الخيارات المتاحة
5-    بيان السلبيات والايجابيات لكل خيار من هذه الخيارات
6-    اختيار أفضل الحلول واتخاذ القرار
7-    العمل على تطبيق القرار بالشكل الصحيح
8-    متابعة النتائج المترتبة عليه
إن إتباع هذه الخطوات بالشكل الصحيح سيجعل من أمر اتخاذ القرار الصائب من البديهيات وسيعمل على تحقيق الأهداف التي يرسمها كل إنسان لنفسه بأيسر الطرق وأصوبها .
تحديد المشكلة واستخلاص الحقائق
إن عملية تحديد المشكلة أو المستجد الذي يحدث في حياة أي إنسان واستخلاص الحقائق والأسباب المتعلقة بهذه المشكلة , يوجب عليه أن يتجرد من مشاعره ورغباته لأنه في الأعم الأغلب سيركز في تعيينه لتلك الأسباب على ما يتفق مع الفكرة الراسخة في ذهنه ولا ينظر إلى ما يخالفها أي انه يسعى للحقائق التي تبرر عمله وتتفق مع ما يتمناه . لذا لابد له من التجرد من العواطف والصور الذهنية المسبقة وعليه أن يستخلص تلك الحقائق والأسباب وكأنه يستخلصها لشخص آخر وليس لنفسه وهذا الاتجاه الذهني يساعده على اتخاذ نظرة موضوعية للحقائق وليست عاطفية .
الآن وبعد أن تم تحديد المشكلة وتدوينها وكذلك تدوين كل الحقائق المتعلقة بهذه المشكلة من الأسباب التي ولدتها والأشخاص المتعلقين أو المتأثرين بها وغيرها من العوامل المرتبطة بهذه المشكلة أصبحت المشكلة نصف محلولة , لان التدوين هو نصف الحل وسيكون إيجاد الحلول ميسراً جداً
إيجاد الحلول
إن البحث عن الخيارات المتاحة وإيجاد كل البدائل الممكنة سيكون قد وفر لنا القدرة على اختيار الأنسب منها , وذلك بعد تعيين كل السلبيات والايجابيات المتعلقة بكل خيار من الخيارات المتاحة , لان هذا سيرسم الصورة الكاملة لكل حل من هذه الحلول , أي انه سيشكل صورة واضحة عن النتائج المترتبة على نوع القرار الذي سيتم اتخاذه مما يجعل اختيار القرار الصائب أمراً يسيراً وبديهياً .
اتخاذ القرار
قبل التطرق إلى عملية اتخاذ القرار يجب أن نبين الفرق بين صنع القرار واتخاذ القرار حيث أن الكثير من الناس يخلطون بين هذين المصطلحين , إذ أن صناعة القرار هو كل الخطوات التي تسبق عملية اتخاذ القرار أي مجمل الإجراءات التي تبدأ من تحديد المشكلة إلى دراسة الحقائق المتعلقة بها وتحليلها مروراً بتعيين البدائل والخيارات المتاحة وصولاً إلى تعيين أفضل الخيارات , وهنا لابد لنا أن نفهم أن أفضل الخيارات أو البدائل هو الذي تنعدم فيه السلبيات أو تكون قليلة جداً وفي حال تساوي السلبيات علينا اختيار البديل الأكثر ايجابيات , وبشكل آخر هي عبارة عن عملية موازنة وتفضيل الخيار الأقل ضرراً والأكثر نفعاً , أما في حال لم يكن بين الخيارات المطروحة حل مناسب وقاطع فالواجب هو اختيار اقلهما ضرراً لان دفع الضرر أولى من جلب المنفعة .
في بعض الحالات لا يتوفر لدى الفرد سوى بديل واحد أو طريق واحد للحل ولا يوجد غيره وفي مثل هذه الحالة فإن المرء ليس لديه فرصة اتخاذ قرار بل هو سيكون قد خرج من دائرة الاختيار ودخل في دائرة الإجبار وبالتالي فلا يعد ذلك بأنه قد قام باتخاذ قرار لأنه سيكون مجبر عليه وغير مخير , حيث إن حرية الاختيار من الأركان الأساسية لعملية اتخاذ القرار , وهذه الأركان هي ( توفر البدائل , حرية الاختيار , وجود الهدف ) , وفي حالات أخرى نجد أن الإنسان يحتار بين خيارين بعد أن يتساوى فيهما كل من السلبيات و الايجابيات أو عجزه عن إدراك الصورة الكاملة لعواقب كل من الخيارين نتيجة لجهل أو غموض في بعض الحقائق المتعلقة بالمشكلة وهنا لا يكون له خيار غير الاستعانة بالله فيستحب له الاستخارة وهناك طرق عديدة لها نعرض عن ذكرها هنا ويمكن الرجوع إليها في الكتب الخاصة بالاستخارة وكذلك فإن الاستخارة تنفع في حالة التردد في اتخاذ القرار وهنا نجد قول الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء الاستخارة من الصحيفة السجادية ( اللهم إني أستخيرك بعلمك , فصل على محمد وآله وألهمنا معرفة الاختيار , واجعل ذلك ذريعة إلى الرضا بما قضيت لنا )وهنا نجد أن الإمام عليه السلام يسأل الله جل وعلى أن يلق في قلوبنا معرفة الأمر الأصلح لنا وكذلك يبين لنا الإمام عليه السلام أن نتيجة الاختيار يجب أن تتطابق مع الرضا الإلهي لأنه أسمى الغايات وأجل الأهداف وهو المستقبل الحقيقي لكل إنسان .
سرعة اتخاذ القرار
في بعض الحالات يجب أن يكون القرار سريعاً ولا يحتمل التأخير , وهنا سيكون الرصيد المخزون عند الفرد من قدرة على تحليل المستجدات والمشاكل وممارسة تطبيقية لعملية اتخاذ القرارات بالطريقة التي تم شرحها آنفاً , يضاف إليها معرفة كافية بالأمور الشرعية والحلال والحرام , وفوق هذا وذاك معرفة بالله وإيمان عميق وتوكل خالص بالله جلّ وعلى , كل هذا سيؤمن للفرد اتخاذ القرارات السليمة والصائبة ومثال ذلك ما حصل مع الحر بن يزيد الرياحي عليه السلام والقرار السليم الذي اتخذه في اللحظة الحاسمة والتحاقه بركب أبي عبد الله الحسين عليه السلام في معركة الطف الخالدة
أنواع القرارات
1-    القرارات المصيرية
هناك قرارات مصيرية وأخرى عادية , فإذا كنت تريد أن تهدي لصديق لك هدية ، وهل يا ترى أهديه باقة ورد أم أهديه كتاب من الكتب ؟ فهذا أمر عادي متكرر وليس خطيراً ولا كبير بالدرجة التي يحتاج بها إلى دراسة عميقة والبحث عن البدائل ، لكن هناك قرار ربما يكون مصيريا، فمثلاً هل تريد أن تكمل تعليمك أو تتركه لصالح فرصة عمل متحققة ؟ ربما يكون قرارا مصيريا بالنسبة لك , أو هل تريد أن تختار بنت فلان من الناس زوجة لك أم انك تبحث عن فتاة أخرى ؟ في مثل هذه القرارات المصيرية ينبغي على الإنسان أن يزيد من التفكير وبذل الجهد في دراسة حيثيات المشكلة أو المستجدات التي تتطلب قراراً مصيرياً قد يتعلق به الكثير من عوامل النجاح في تحقيق الأهداف المستقبلية للفرد
2-    القرارات الفردية
وهناك أيضا قرارات فردية وأخرى جماعية ، فالقرار الفردي يخص الإنسان ذاته ،كأن يكون طالب يريد أن يحدد التخصص الذي سيدرسه في الجامعة ، فهذا أمر محدود ويتعلق بالفرد المعني فقط ، لكن إذا كان القرار يخص جمعا من الناس أو يخص الأمة برمتها ، كقرار الرئيس في مصلحة الأمة ،إن مثل هذا القرار يكون أكثر حساسية وأكثر أهمية ،ولا بد له من مزيد من أخذ الأسباب الموصلة للقرارات ، لان الأول قرار يخص فرداً واحداً ، فان وقع فيه خطأ وكان به ضرر فدائرته محدودة بذات الفرد ، أما أن يكون القرار الذي تتخذه يتضرر منه ملايين أو عامة الناس فهذا أمر يحتاج إلى مزيد من التروي والحكمة ولهذا نلاحظ رؤساء الحكومات يحيطون أنفسهم بعشرات المستشارين لان القرارات التي يتخذونها تحتاج إلى دراسات عميقة ومتخصصة .

3-    القرارات الدورية
وهناك أيضا قرارات دورية وأخرى طارئة ، فالدورية هي التي تتكرر دائما، فعلى سبيل المثال بالنسبة للشركات المنتجة فان عملية التسويق أمر يتكرر بشكل دوري ومنظم في اغلب الأحيان خاصة بالنسبة للمنتجات الاستهلاكية اليومية كالأغذية فيكون القرار في مثل هذه الحالات هو اتخاذ النظام الأمثل، بحيث لا تحتاج في كل مرة إلى أن نعيد اتخاذ القرار وندرس القضية من جديد .أما في حال حصول مستجدات في السوق نعم هنا يمكن أن يتحول القرار من قرار دوري إلى قرار طارئ وحينها يحتاج إلى دراسة المستجدات والبحث عن البدائل واختيار أفضلها .

تنفيذ القرارات
هنا لابد من وضع آلية مدروسة لعملية تنفيذ القرار الذي تم اتخاذه وبشكل دقيق لا يقبل اللبس أو الخطأ لكي يتم الحصول على أفضل النتائج
المتابعة في التنفيذ واستخلاص النتائج
ولكي يتم تحقيق الأهداف المرسومة يجب متابعة تنفيذ القرار وصولاً إلى تحقيق النتائج وهنا لابد من وضع النتائج المتحققة ومقارنتها بالنتائج التي كان متوقع الحصول عليها من جراء اتخاذ هذا القرار وذلك لمعرفة مدى نجاح عملية صناعة القرار واتخاذه وفي حال كانت النتائج مخالفة لما كان متوقع منها فهنا لابد من البحث عن موضع الخلل أو الخطاء في الدراسة التي تم إعدادها لاتخاذ القرار لكي نتعلم من هذه التجربة وكذلك لنعيد رسم مخطط جديد لاتخاذ قرار جديد لأننا في اغلب الأحيان إن فشلنا في تحقيق الأهداف المطلوبة من القرار الذي اتخذناه فهذا يعني إننا سنكون أمام مشكلة جديدة بحاجة إلى اتخاذ قرار جديد بشأنها .
الخلاصة
من كل ما سبق يتبين لنا أن الإنسان الناجح والذي يريد أن يتقدم بموقفه العام في كل تفاصيل الحياة لابد له من أن يفكر بعمق في كل قرار يريد اتخاذه وأن يتبع الأساليب العلمية في صناعة القرار وأن لا يتردد برهة من الزمن في اتخاذ القرار الصحيح والذي يتوافق مع المنظومة القيمية للفرد لان في ذلك راحة للروح وراحة للعقل وفي نهاية المطاف الوصول الناجح إلى الأهداف التي خطط لها الفرد وتحقيق الرؤية المستقبلية له .