حينما نتحدث عن النجاح نجد أن الاغلب يتبادر
الى ذهنه مفهوم معين عنه؛ ألا وهو تحقيق الاهداف التي رسمها لنفسه ذلك الفرد أو
تلك المؤسسة، وقد يكون هذا المفهوم صحيحاً نوعاً ما اذا ما التفتنا الى تلك
الأهداف على انها جزء لا يتجزأ من الأهداف الكلية التي يؤمن بها ذلك الفرد أو تلك
المؤسسة، ولكن في الأغلب لا يحدث ذلك الالتفات، لذا بات من الضروري أن نضع تعريف
اكثر دقة لمفهوم النجاح، وهو على ما اعتقد تحقيق الأهداف الكلية التي تشكل الرؤية
الشاملة في إطار القيم التي يؤمن بها الفرد أو المؤسسة والتي لا تتعارض مع
المنظومة الاخلاقية الانسانية.
إن التعريف السابق يؤكد على أن النجاح الشخصي
لا يمكن أن يكون نجاحاً مؤثراً في البيئة المحيطة وبالتالي بالأمة الا اذا اخذنا
بنظر الاعتبار الرؤية الشاملة والقيم الانسانية والاخلاقية للمجتمع كي تتحول تلك
النجاحات الى استجابات ايجابية بناءة تساهم في التقدم التراكمي كنتيجة حتمية لتلك
النجاحات.
من تلك المقدمة عن النجاح نعيد تسليط الاضواء
على الواقع الحالي للأفراد الذين يكونون المجتمع وبالتالي المؤسسات التي يقومون ببنائها
كأجزاء تشكل ذلك المجتمع، فنجد انفسنا امام واقع مأساوي للغاية، إذ أننا لو
التفتنا الى المؤسسة التي تؤهل الافراد الى سوق العمل بالجانب الاخلاقي والتعليمي والمتمثلة
بالعملية التربوية والتعليمية التي تتبناها مؤسسات وزارة التربية وتلك التي تؤهله
بالجانب الوظيفي والمهني والمتمثلة بالمؤسسات التابعة لوزارة التعليم العالي فإننا
سنصاب بخيبة الأمل، اذا ما علمنا أن العراق بات من اسوء الدول في انظمته التعليمية
الحالية، بمكونيه؛ التعليم الاساسي والتعليم العالي، إذ باتت مخرجات هاتين
المؤسستين لا تصلح للعمل في الاسواق الحالية التي تبحث عن افراد يتميزون بالمهارات
المتقدمة في مجالات جديدة لم تنجح تلك المؤسسات في مواكبتها، مما يجعل السوق متضخم
بمئات الآلف من العاطلين عن العمل وغير المؤهلين للدخول الى تلك الاسواق، كونهم
ورغم إنفاقهم مالا يقل عن ثمانية عشر عاماً من أعمارهم على أقل تقدير، ومليارات
الدولارات من الاموال الخاصة والعامة في عملية التربية والتعليم وإكساب المعارف
وبناء المهارات كما يفترض بها أن تكون، الا انها لم تنجح في تحقيق تلك الغايات، بل
انها باتت تتخبط في اطلاق عناوين معرفية عبر افتتاح اقسام علمية جديدة أو تزيد من
افتتاح اقسام اضافية لعناوين باتت الحاجة اليها منتهية، وهذا يعني عملية قتل حقيقي
لمستقبل هؤلاء الافراد، ومن دون دراسة حاجة السوق للأيدي العاملة المدربة وفق توجهات
الاقتصاد العراقي الحالي والمستقبلي.
ومن هنا فهل هذا يسقط مسؤولية الفرد عن ذاته
..إن الاستمرار في رمي الكرة في ملعب المؤسسة الحاكمة وإن كان صحيحاً، كونها هي
المسؤولة الأولى عن الافراد المكونين للمجتمع، الا أنها لن تكون الأخيرة بأي حال
من الأحوال فإن الانسان على نفسه بصيرة، لذا بات لزاماً عليه ان يعمل لأجل
الارتقاء بمؤهلاته العلمية ومهاراته العملية ليكون قادراً على أن يخلق لنفسه فرصة
في سوق العمل، وإن تمكن من تلك الفرصة عليه أن لا يتوانى في بناء وتطوير ذاته،
فالمعرفة لن تتوقف والتقدم التقني لن يتوقف، مما يلزمنا بمواكبة هذا التقدم للحفاظ
على المكتسبات، رغم أن الحفاظ على تلك المكتسبات يعد خسارة بمفهوم التنمية، إذ
لابد من استدامة التقدم في كل الجوانب الحياتية، سواء كانت مهنية أو اجتماعية أو
اقتصادية أو بشكلها الاجمالي الذي يمكن أن نقول عنه أنه الجانب المؤسس لبقية جوانب
الحياة وهو الجانب المعرفي.
ومن كل ما تقدم علينا أن لا نعتقد بكوننا أصبحنا
مؤهلين لاقتحام سوق العمل وصناعة النجاح بمجرد الحصول على الشهادة الجامعية حتى
وإن كانت بمستوى الدكتوراه، مالم نتسلح بالمهارات الشخصية والمهنية والتقنية
واللغوية، التي لن نجدها الا في المؤسسات التدريبية الرصينة، والتوجه لها بعد
التمحيص عن الأفضل والاكفأ، لكي لا يكون تكرار لتلك التجارب الجامعية البائسة التي
لا تسمن ولا تغني من جوع.