في الوقت الذي كان يجد نفسه يد الدولة الضاربة وسط جموع من الناس تسمع له
وتطيع , وجوائز الامير تمني القلب وتشعله ولهاً اليها . مع كل هذا لم يقبل
لنفسه بهذا الخيار . بل كانت عينه تذهب الى ابعد من ذلك . كانت تخترق حتى
تتغلغل في عوالم الوجود , لتحيط بها علماً ورغبه في ذات الوقت . فصار يجمع
المعلومات من ملفات الذاكرة المرصوفة في خلايا المخ . واستنهض ذلك النبي
المخبوء في جمجمة الرأس , ليقرأ ويحلل كل الخيارات المتاحة لنيل المراد .
ومع ايقاظ قوة الارادة وتفجيرها . اتخذ قراره .. ليصنع مصيره الابدي .
ذلك القرار الذي جعل مجده لا يزول , وفاز بالرضوان الاكبر , وصار مدرسة في
فن صناعة واتخاذ القرارات المصيرية والصعبة , لينال كرامة من عند الله , ما
نالها إلا ذو حظ عظيم . نعم انه الحر بن يزيد الرياحي .
وهكذا نحن في حياة نعيشها لمرة واحدة , باتجاه واحد , لا يقبل الانعكاس ,
ولا الرجوع أو التراجع , ولا حتى التباطؤ . فعجلة الزمان تدور , ونحن
امامنا الخيارات لا تزال متاحة مادام غدٍ لم يأت بعد . ولكن ان اتى فستكون
قد سقطت الكثير من الخيارات . ولكن انتبه فقد تكون هناك خيارات جديدة قد
ولدت في عالمك .
فلا تقل أني لا اعلم ؛ فالعلم متاح , ولك أن تتعلم . ولا تقل أني لا اقدر ؛
فالوسائل متاحة إن ادركت أنها تحيط بك . ولا تقل ان الناس قد اوجدوا كل
شيء يمكن ان يوجد ؛ فالعقول التي اوجدت ما هو موجود لا تزال تعمل كل يوم في
ايجاد ما هو افضل مما اوجدته بالأمس .
اعمل على البحث عن كل الخيارات ولا تيأس فاليأس أول الموت . فالبدائل
موجودة بقربك دوماً ولكن قد لا تلتفت اليها , لان شيطان اليأس أو شيطان
الضعف والخوف يمنعانك عنها . فاعمل بقول اميرك علي ابن ابي طالب عليه
السلام , حين قال إن خفت امراً فقع فيه . لان تجربة ما تخاف منه , اهون من
العيش في ظل الخوف من الوقوع فيه .
ابحث عن نقاط قوتك , وأركز بناءك عليها , ولا تستهين بذاتك , فأنت صناعة
عزيز مقتدر . وحينها ستجد الكثير من البدائل متاحة لبناء حياتك , وتشعلها
مجداً , وتكتب تاريخاً تعتز به امتك التي ستتخذ منك مثالاً عظيما.
نعم جد الكثير من الخيارات , واصنع قرارك . واجعل نظرك بعيداً في عواقب ما
سيترتب على تلك الخيارات , لأنك ستصل الى تلك العواقب في نهاية الامر .
فاعمل على ان تكون الى خير . وتحلى بقوة الايمان .. من كان مع الله كان
الله معه . والله لا يخيب ظن العبد به . فأحسن الظن بربك , انه معك , وما
خلقك ليذلك , بل ليجعل منك نجماً في سماء الملك والملكوت , ولكن ترك ارادة
ذلك اليك .
اذن انه قرارك ... ولا تقل لولا , فلكل لولا بابين من الحلول , ( ان مع
العسر يسرى إن مع العسر يسرى ) ربك جعل مع كل عسر تصنعه اوهام الشيطان ,
يسرين من تحف الرحمة الالهية .
فلا تبقى تراوح مكانك . انطلق واصنع المصير . ولكن لا تنسى أن تتسلح
بالمعرفة , فالمعرفة هي دليلك لإيجاد الطريق الى الله . فان وصلت اليه
ستكون قد حصدت كل الفضائل , وطاولت ذرى المجد , وستكون قد احطت بفضاءات
السعادة , بل ستكون مصدر انوارها .
وتذكر دائما ً انك صناعة الله الرب العظيم الذي يده فوق كل شيء وبيده كل
شيء . ففجر قوة الجبروت الالهي المكتنز فيك لتصنع قرارك وتبني مصيرك المشرق
.